إن الحدائق الإسلامية التي أنشأها علماء النبات المسلمين لم تكن للتمتع فقط ، لكنها كانت مراكز لإجراء التجار ، و مؤلفات هؤلاء العلماء في الفلاحة ، و المؤلفات التي وصلتنا كان اهتمام مؤلفيها ينصب في فلاحة الأرض و الحفاظ على خصوبتها ، و زراعة المحاصيل النباتية و الأشجار المثمرة و العناية بها ، و إلى آخر ما هنالك من معلومات تخص النبات و الأرض و الإنتاج ، و مثال ذلك ما ورد في كتاب ( الفلاحة ) لابي خير الأشبيلي* ، يبين فيه كيفية اختيار مكان الحديقة بقوله :
( إذا أردت أن تختار بستاناً فاختر له موضعاً صالحاً و ماءً روباً ، و ليكن قريباً من مساكن الناس ، بحيث ينظر إليها ، فإن أحسن البساتين و أنزهها و أنفعها ما كان قريباً ، و قرب مساكن الناس منها مصحة لهم ، و اجعل غرس الشجر الطوال مع حائط البستان ، حتى تدور بنواحيه فإنه أحسن كالدلب و السرو و الصنوبر و الصفصاف و الجوز و البندق و ما أشبه ذلك ).
*أبو الأخير الإشبيلي ، المعروف (بالشجّار) ، عالم بالزراعة ، من أبناء إشبيلية ، عاش في القرن الخامس الهجري . كان يقوم بتجارب زراعية عديدة في ضواحي إشبيلية ، و بدراسات تناولت عدداً من النباتات كالاشجار الممرة و الكرمة ، و نبات الحدائق ، و الغابات ، و وضع نتيجة ذلك (كتاب الفلاحة) . و لا يعرف هذا الكتاب إلا ببضع نسخ ، منها واحدة في المكتبة الوطنية بباريس ، و واحدة في جامع الزيتونة بتونس ، و قد درسه هنري بيريس و أعدّ له طبعة مع ترجنة فرنسية و حواشٍ ، و نشر خلاصة تصميمه في (دائرة المعارف الإسلامية).